استعرض الموضوع التالياذهب الى الأسفلاستعرض الموضوع السابق
الزعيم
الزعيم
مؤسس المنتدى
مؤسس المنتدى
الجنس : ذكر عدد المساهمات : 2991
تاريخ الميلاد : 01/09/1990
تاريخ التسجيل : 21/07/2009
العمر : 33
http://egygate.123.st

 الركن الأول من أركان الإسلام:  معناه ومقتضاه Empty الركن الأول من أركان الإسلام: معناه ومقتضاه

الإثنين 31 ديسمبر 2012, 9:10 pm



 الركن الأول من أركان الإسلام:  معناه ومقتضاه Bsmlh910

الركن الأول من أركان الإسلام:
معناه ومقتضاه

السؤال الأول: اشرحوا لنا لو تكرمتم معنى الركن الأول من أركان الإسلام وما يقتضيه ذلك المعنى، وكيف يتحقق من الإنسان وما حكم من جهل شيئا منه؟
الجواب: بسم الله الرحمن الرحيم والحمد لله وصلى الله وسلم على رسول الله وعلى آله وأصحابه ومن اهتدى بهداه أما بعد:
فإن الله بعث نبيه محمدا صلى الله عليه وسلم إلى الناس عامة عربهم وعجمهم، جنهم وإنسهم، ذكورهم وإناثهم، يدعوهم إلى توحيد الله والإخلاص له وإلى الإيمان به عليه الصلاة والسلام وبما جاء به وإلى الإيمان بجميع المرسلين وبجميع الملائكة والكتب المنزلة من السماء وباليوم الآخر وهو البعث والنشور والجزاء والحساب والجنة والنار وبالقدر خيره وشره، وإن الله قدر الأشياء وعلمها وأحصاها وكتبها سبحانه وتعالى، وكل شيء يقع هو بقضاء الله وقدره ومشيئته النافذة سبحانه وتعالى، وأمر الناس أن يشهدوا أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله، هذا هو أول شيء دعا إليه النبي صلى الله عليه وسلم، وهو الركن الأول من أركان الإسلام شهادة ألا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله، فلما قال للناس: ((قولوا لا إله إلا الله)) وأمر أن يؤمنوا بأنه رسول الله عليه

الصلاة والسلام امتنع الأكثرون وأنكروا هذه الدعوة، وقالت له قريش ما ذكر الله عنهم ﴿أَجَعَلَ الْآلِهَةَ إِلَهًا وَاحِدًا إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ عُجَابٌ﴾( ).
وقال سبحانه عنهم: ﴿إِنَّهُمْ كَانُوا إِذَا قِيلَ لَهُمْ لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ يَسْتَكْبِرُونَ وَيَقُولُونَ أَئِنَّا لَتَارِكُو آلِهَتِنَا لِشَاعِرٍ مَجْنُونٍ﴾( ) فاستنكروا هذه الدعوة لأنهم عاشوا على عبادة الأوثان والأصنام وعبادة هذه الآلهة مع الله عز وجل، فلهذا أنكروا دعوة الرسول عليه الصلاة والسلام إلى توحيد الله والإخلاص له وهذا الذي دعا إليه صلى الله عليه وسلم هو الذي دعت إليه الرسل جميعا كما قال سبحانه وتعالى: ﴿وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا أَنِ اُعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ﴾( ) وقال سبحانه: ﴿وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلا أَنَا فَاعْبُدُونِ﴾( ).
وفي الصحيحين عن ابن عمر رضي الله تعالى عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ((بني الإسلام على خمس شهادة: ألا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة وصوم رمضان وحج البيت)).
وفي الصحيح أيضا عن عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم أتاه سائل يسأله في صورة رجل شديد بياض الثياب شديد سواد الشعر لا يرى عليه أثر السفر ولا يعرفه من الحاضرين أحد، فقال يا محمد أخبرني عن الإسلام فقال: ((الإسلام: أن
تشهد ألا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله وتقيم الصلاة وتؤتي الزكاة وتصوم رمضان وتحج البيت إن استطعت إليه سبيلا)) قال صدقت قال الصحابة فعجبنا له يسأله ويصدقه ثم قال أخبرني عن الإيمان قال له: ((الإيمان أن تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر وتؤمن بالقدر خيره وشره)) قال صدقت قال أخبرني عن الإحسان قال: ((أن تعبد الله كأنك تراه فإن لم تكن تراه فإنه يراك)) الحديث
ثم أخبرهم النبي صلى الله عليه وسلم أن هذا السائل هو جبرائيل عليه السلام أتاهم يعلمهم دينهم لما لم يسألوا أتاهم جبرائيل بأمر الله يسأل عن هذا الدين العظيم حتى يتعلموا ويستفيدوا، فدين الإسلام مبني على هذه الأركان الخمسة الظاهرة أولها: شهادة ألا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله.
ثانيها: إقام الصلوات الخمس.
ثالثها: أداء الزكاة.
رابعها: صوم رمضان.
خامسها: حج بيت الله الحرام لمن استطاع إليه سبيلا، وعلى أركان باطنة إيمانية بالقلب وهي الإيمان بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر وبالقدر خيره وشره، فلابد من هذه الأصول وهي أن يؤمن المكلف بهذه الأصول الستة الباطنة التي تتعلق بالقلب، فيؤمن بأن الله ربه وإلهه وهو الحق سبحانه وتعالى، ويؤمن بملائكة الله وبكتب الله التي أنزلها على الأنبياء من التوراة والإنجيل والزبور والقرآن وغيرها من الكتب المنزلة على الأنبياء، ويؤمن أيضا بالرسل الذين أرسلهم الله إلى عباده أولهم نوح وآخرهم محمد عليه الصلاة والسلام، وهم
كثيرون بين الله بعضهم في القرآن العظيم، ويؤمن أيضا باليوم الآخر وهو البعث بعد الموت والحساب والجزاء وسائر أمور الآخرة فأهل الإيمان لهم السعادة والجنة، وأهل الكفر لهم الخيبة والندامة والنار، ولابد من الإيمان بالقدر خيره وشره، وأن الله قدر الأشياء وعلمها وكتبها وأحصاها فما شاء الله كان وما لم يشأ لم يكن وكل ما في الوجود من خير وشر وطاعة ومعصية فقد سبق فيها علم الله وكتابه وقدره سبحانه وتعالى.
فالأصل العظيم الأول الذي جاءت به الرسل هو الإيمان بأن الله هو الإله الحق سبحانه وتعالى وهذا هو معنى شهادة أن لا إله إلا الله، وهذا أصل أصيل أجمعت عليه الرسل عليهم الصلاة والسلام كلهم دعوا إلى هذا الأصل الأصيل، وهو أن يؤمن الناس بأن الله هو الإله الحق وأنه لا معبود بحق سواه وهذا هو معنى لا إله إلا الله أي: لا معبود حق إلا الله، وما عبده الناس من أصنام أو أشجار أو أحجار أو أنبياء أو أولياء أو ملائكة كله باطل، فالعبادة الحق لله وحده سبحانه وتعالى كما قال سبحانه: ﴿وَإِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ لا إِلَهَ إِلا هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ﴾( ) وقال سبحانه: ﴿وَقَضَى رَبُّكَ أَلا تَعْبُدُوا إِلا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانا﴾( ) وقال تعالى: ﴿إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ﴾( ) وقال سبحانه: ﴿وَمَا أُمِرُوا إِلا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ

مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ﴾( ) وقال عز وجل: ﴿ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّ مَا يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ هُوَ الْبَاطِلُ﴾( ).
ولا بد مع هذا الأصل من الإيمان بالرسل عليهم الصلاة والسلام من عهد آدم عليه الصلاة والسلام وما بعده، ففي عهد آدم على ذريته اتباع ما أوحى الله إليه وشرعه له من العلم والعمل وأساسه توحيد الله والإخلاص له والإيمان برسوله ونبيه آدم عليه الصلاة والسلام، وفي عهد نوح وما بعده على قومه الإيمان بنوح واتباع ما جاء به مع توحيد الله والإخلاص له.
ونوح عليه السلام هو أول الرسل إلى أهل الأرض بعدما وقع منهم الشرك، وكان الناس قبل ذلك على التوحيد الذي بعث الله عليه آدم عليه الصلاة والسلام وعلمه ذريته. وعلى قوم هود الإيمان بهود واتباع ما جاء به هود مع توحيد الله سبحانه، وفي عهد صالح على قوم صالح الإيمان بصالح واتباع ما جاء به مع توحيد الله، وهكذا في عهد كل رسول لابد من توحيد الله والإيمان بأنه لا إله إلا الله، ولابد مع ذلك من الإيمان بالرسول واتباع ما جاء به إلى عهد عيسى عليه الصلاة والسلام آخر أنبياء بني إسرائيل وهو عيسى بن مريم عليه الصلاة والسلام، ثم بعث الله خاتمهم وأفضلهم نبينا محمدا صلى الله عليه وسلم فعيسى هو آخر أنبياء بني إسرائيل، ومحمد هو آخر الأنبياء وخاتم المرسلين جميعا ليس بعده نبي ولا رسول عليه الصلاة والسلام، وهو

أفضل الرسل وهو إمامهم وهو خاتمهم، فلابد في حق الأمة أمة محمد صلى الله عليه وسلم جنها وإنسها عربها وعجمها ذكورها وإناثها أغنيائها وفقرائها حكامها ومحكوميها لابد أن يؤمنوا بهذا النبي وبمن قبله من الأنبياء والرسل عليهم الصلاة والسلام، ومن لم يؤمن به فلا إسلام له ولا دين له فلابد من الإيمان بأن الله هو الإله الحق وأنه لا إله حق إلا الله، ولابد من الإيمان بمحمد صلى الله عليه وسلم وأنه رسول الله حقا إلى جميع الناس، فمن لم يؤمن بهاتين الشهادتين فليس بمسلم، لابد من الإيمان بهما واعتقاد معناهما وأن معنى لا إله إلا الله لا معبود حق إلا الله فلا يجوز أن يعبد مع الله ملك أو نبي أو شجر أو حجر أو جن أو صنم أو غير ذلك، فإذا قال يا رسول الله انصرني بعد موته صلى الله عليه وسلم، أو قال يا سيدي البدوي انصرني أو اشف مريضي، أو يا سيدي الحسين، أو يا سيدي عبد القادر، أو المدد المدد أو نحو ذلك فهذا كله شرك بالله عز وجل يبطل معنى لا إله إلا الله يعني يبطل قولك لا إله إلا الله، لأنك لم تأت بالعبادة لله وحده بل أشركت مع الله غيره ودعوت مع الله غيره والله يقول: ﴿وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ فَلا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَدًا﴾( ) ويقول سبحانه: ﴿وَلا تَدْعُ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لا يَنْفَعُكَ وَلا يَضُرُّكَ فَإِنْ فَعَلْتَ فَإِنَّكَ إِذًا مِنَ الظَّالِمِينَ﴾( ) ويقول سبحانه: ﴿وَمَا أُمِرُوا إِلا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ﴾( ) ويقول سبحانه: ﴿وَقَضَى رَبُّكَ أَلا تَعْبُدُوا

إِلا إِيَّاهُ﴾( ) ويقول سبحانه: ﴿إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ﴾( )، ويقول النبي صلى الله عليه وسلم: ((الدعاء هو العبادة)) ويقول جل وعل: ﴿ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ﴾( ) فلابد من إخلاص العبادة لله وحده ومنها الدعاء، فإذا قلت للميت أو للشجر أو للصنم أغثني، انصرني، اشف مريضي.. إلى غير ذلك فإن هذا شرك أكبر بالله عز وجل ناقض لقول لا إله إلا الله وهكذا من كذب الرسول محمدا صلى الله عليه وسلم، أو غيره من الرسل والأنبياء عليهم الصلاة والسلام، أو شك في رسالته، أو قال إنه للعرب دون العجم، أو قال إنه ليس خاتم النبيين بل بعده نبي، كل هذا كفر أكبر، وضلال، ونقض للإسلام، نسأل الله العافية، ومن ذلك يعلم كفر القاديانية لإيمانهم بنبوة: الميرزا غلام أحمد وهو بعد النبي محمد صلى الله عليه وسلم بقرون كثيرة، فلابد من الإيمان بأن محمدا صلى الله عليه وسلم هو رسول الله حقا إلى جميع الثقلين الجن والإنس، ولابد من الإيمان بأنه خاتم الأنبياء والمرسلين ليس بعده نبي ولا رسول، وأن من ادعى النبوة بعده كمسيلمة الكذاب فهو كافر بالله كذاب، وهكذا الأسود العنسي في اليمن، وسجاح التميمية، والمختار بن أبي عبيد الثقفي وغيرهم ممن ادعى النبوة بعده عليه الصلاة والسلام، فقد أجمع الصحابة رضي الله عنهم وأرضاهم على كفرهم وقاتلوهم

بأنهم كذبوا معنى قوله سبحانه: ﴿مَا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِنْ رِجَالِكُمْ وَلَكِنْ رَسُولَ اللَّهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ وَكَانَ اللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمًا﴾( ) وقد تواترت الأحاديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: ((أنا خاتم النبيين لا نبي بعدي)) عليه الصلاة والسلام.
فهذه الشهادة التي هي شهادة ألا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله هي الأصل الأصيل، وهي الركن الأول من أركان الإسلام فلا إسلام إلا بهاتين الشهادتين قولا وعملا وعقيدة، فلو صلى وزكا وصام وحج وذكر الله كثيرا ولكنه لا يؤمن بأن الله هو المستحق للعبادة فإنه يكون كافرا كالمنافقين، وهكذا من قال إنه لا مانع من عبادة الأوثان والأصنام، وأنه لا مانع من عبادة البدوي أو الحسين أو الشيخ عبد القادر أو علي بن أبي طالب، أو غيرهم من الأنبياء أو الأولياء أو الملائكة أو الجن - من اعتقد أنها تجوز عبادتهم مع الله، وأنه يجوز أن يستغاث بهم وينذر لهم صار مشركا بالله عز وجل وصار كلامه هذا وعقيدته هذه ناقضة لقول: لا إله إلا الله ومبطل لها لقول الله سبحانه: ﴿وَلَوْ أَشْرَكُوا لَحَبِطَ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ﴾( ) وقوله عز وجل: ﴿وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ﴾( ) وهكذا لو قال أن محمدا صلى الله عليه وسلم ليس بخاتم الأنبياء، أو ليس مرسلا للثقلين بل
هو للعرب خاصة كان كافرا بالله عز وجل بالنص وإجماع أهل العلم، فلابد أن يؤمن المكلف بأنه رسول الله إلى جميع الثقلين، ولابد أن يؤمن بأنه خاتم الأنبياء ليس بعده نبي ولا رسول هذا هو الأصل الأصيل، ثم بعد هذا يطالب المسلم بالصلاة وبالزكاة وبالصيام وبالحج وببقية الأوامر وترك النواهي، ولابد مع الإيمان بأن محمدا رسول الله من التصديق بجميع الأنبياء الماضين، وأنهم أدوا الرسالة وبلغوها عليهم الصلاة والسلام، ولابد أيضا مع هذا كله من التصديق بما أخبر الله به ورسوله صلى الله عليه وسلم مما كان وما سيكون في آخر الزمان وفي يوم القيامة.
السؤال الثاني: ارتكاب بعض المعاصي ولا سيما الكبائر هل يؤثر على هذا الركن من أركان الإسلام.
الجواب: ارتكاب الكبائر كالزنا وشرب الخمر وقتل النفس بغير حق وأكل الربا والغيبة والنميمة وغير ذلك من الكبائر يؤثر في توحيد الله وفي الإيمان بالله ويضعفه ويكون ضعيف الإيمان، لكن لا يكفر بذلك خلافا للخوارج، فالخوارج تكفره وتجعله مخلدا في النار إذا مات على ذلك ولم يتب، فمن سرق أو عق والديه أو أكل الربا يجعلونه كافرا وإن لم يستحل ذلك وهذا غلط كبير من الخوارج، فأهل السنة والجماعة يقولون ليس بكافر بل هو عاص وناقص الإيمان لكن لا يكفر كفرا أكبر بل يكون في إيمانه نقص وضعف ولهذا شرع الله في الزنا حدا إذا كان الزاني بكرا يجلد مائة ويغرب عاماً،

ولو كان الزنا ردة لوجب قتله فدل على أنه ليس بردة، والسارق لا يقتل بل تقطع يده فدل ذلك على أن هذه المعاصي ليست ردة ولا كفرا ولكنها ضعف في الإيمان ونقص في الإيمان فلهذا شرع الله تأديبهم وتعزيرهم بهذه الحدود ليتوبوا ويرجعوا إلى ربهم ويرتدعوا عما فعلوه من المعاصي، وقالت المعتزلة إنه في منزلة بين المنزلتين ولكن يخلد في النار إذا مات عليها، فخالفوا أهل السنة في تخليد أهل المعاصي في النار، ووافقوا الخوارج في ذلك، والخوارج قالوا يكفر ويخلد في النار وهؤلاء قالوا يخلد في النار ولكن لا نسميه كافرا يعني الكفر الأكبر، وكلتا الطائفتين قد ضلت عن السبيل.
والصواب قول أهل السنة والجماعة أنه لا يكون كافرا يعني كفرا أكبر ولكن يكون عاصيا ويكون ضعيفا ناقص الإيمان على خطر عظيم من الكفر، ولكن ليس بكافر إذا كان لم يستحل هذه المعصية بل فعلها وهو يعلم أنها معصية ولكن حمله عليها الشيطان والهوى والنفس الأمارة بالسوء هذا هو قول أهل الحق، ويكون تحت مشيئة الله إذا مات على ذلك إن شاء غفر له وإن شاء عذبه على قدر معاصيه سبحانه وتعالى لقول الله عز وجل: ﴿إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ﴾( ).
ثم بعد مضي ما حكم الله به على العاصي من دخول النار يخرجه الله إلى الجنة هذا هو قول أهل الحق وهذا الذي

تواترت به الأخبار عن الرسول صلى الله عليه وسلم خلافا للخوارج والمعتزلة كما تقدم، أما من مات على الشرك الأكبر فإن الله لا يغفر له أبدا والجنة عليه حرام نعوذ بالله من ذلك وهو مخلد في النار أبد الآباد للآية المذكورة آنفا وغيرها من الآيات الدالة على خلود الكفار في النار نعوذ بالله من حالهم.
أما العاصي فإن دخل النار فإنه لا يخلد فيها أبد الآباد بل يبقى فيها ما شاء الله وقد تطول مدته ويكون هذا خلودا لكنه خلود مؤقت ليس مثل خلود الكفار كما قال الله تعالى: ﴿وَالَّذِينَ لا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ وَلا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلا بِالْحَقِّ وَلا يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَانًا إِلَّا مَنْ تَابَ﴾( ) الآية، فهذا الخلود مؤقت له نهاية في حق القاتل والزاني إذا لم يعف الله عنهما ولم يتوبا. نسأل الله السلامة.
أما المشرك فإن خلوده في النار دائم كما قال الله سبحانه في حق المشركين: ﴿كَذَلِكَ يُرِيهِمُ اللَّهُ أَعْمَالَهُمْ حَسَرَاتٍ عَلَيْهِمْ وَمَا هُمْ بِخَارِجِينَ مِنَ النَّار﴾( )ِ وقال سبحانه: ﴿يُرِيدُونَ أَنْ يَخْرُجُوا مِنَ النَّارِ وَمَا هُمْ بِخَارِجِينَ مِنْهَا وَلَهُمْ عَذَابٌ مُقِيمٌ﴾( ) وقال سبحانه: ﴿لا يُقْضَى عَلَيْهِمْ فَيَمُوتُوا وَلا يُخَفَّفُ عَنْهُمْ مِنْ عَذَابِهَا كَذَلِكَ نَجْزِي كُلَّ
كَفُورٍ﴾( ) نعوذ بالله من حالهم.
السؤال الثالث: هل يكفي النطق والاعتقاد بهذا الركن من أركان الإسلام أم لابد من أشياء أخر حتى يكتمل إسلام المرء ويكتمل إيمانه؟
الجواب: هذا الركن يدخل به الكافر في الإسلام وذلك بأن يشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله عن صدق وعن يقين وعن علم بمعناها وعمل بذلك إذا كان لا يأتي بهما في حال كفره، ثم يطالب بالصلاة وبقية الأركان وسائر الأحكام، ولهذا لما بعث النبي صلى الله عليه وسلم معاذا إلى اليمن قال له: ((ادعهم إلى أن يشهدوا أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله فإذا فعلوا ذلك فأعلمهم أن الله افترض عليهم خمس صلوات في اليوم والليلة فإن هم أطاعوك لذلك فأعلمهم أن الله افترض عليهم صدقة تؤخذ من أغنيائهم فترد على فقرائهم)).
فلم يأمرهم بالصلاة إلا بعد التوحيد والإيمان بالرسول صلى الله عليه وسلم، فالكفار أولا يطالبون بالتوحيد والإيمان بالرسول صلى الله عليه وسلم، فإذا أقر الكافر بذلك وأسلم صار له حكم المسلمين، ثم يطالب بالصلاة وبقية أمور الدين، فإذا امتنع من ذلك صار له أحكام أخر، فمن امتنع عن الصلاة يستتاب فإن تاب وإلا قتل كافرا وإن لم يجحد وجوبها في أصح قولي العلماء، وإن امتنع من الزكاة وكابر عليها وقاتل دونها فكذلك يقاتل كما قاتل الصحابة مانعي الزكاة مع أبي بكر رضي الله عنه وحكموا عليهم بالردة، فإن لم
يقاتل دونها أجبره الإمام على تسليمها وعزره التعزير الشرعي الرادع لأمثاله، وهكذا يطالب المسلم بصوم رمضان، وحج البيت مع الاستطاعة وسائر ما أوجب الله عليه ويطالب أيضا بترك ما حرم الله عليه لأن دخوله في الإسلام والتزامه به يقتضي ذلك، ومن أخل بشي مما أوجبه الله أو تعاطى شيئا مما حرم الله عومل بما يستحق شرعا، أما إن كان الكافر يأتي بالشهادتين في حال كفره كغالب الكفار اليوم فإنه يطالب بالتوبة مما أوجب كفره ولا يكتفي بنطقه بالشهادتين، لأنه ما زال يقولها في حال كفره لكنه لم يعمل بهما فإذا كان كفره بعبادة الأموات أو الجن أو الأصنام أو غير ذلك من المخلوقات والاستغاثة بهم ونحو ذلك وجب عليه أن يتوب من ذلك وأن يخلص العبادة لله وحده وبذلك يدخل في الإسلام، وإذا كان كفره بترك الصلاة وجب عليه أن يتوب من ذلك وأن يؤديها فإذا فعل ذلك دخل في الإسلام.
وهكذا إذا كان كفره باستحلال الزنا أو الخمر وجب عليه أن يتوب من ذلك فإذا تاب من ذلك دخل في الإسلام.
وهكذا يطالب الكافر بترك العمل أو الاعتقاد الذي أوجب كفره فإذا فعل ذلك دخل في الإسلام.
وهذه مسائل عظيمة يجب على طالب العلم أن يعتني بها وأن يكون فيها على بصيرة وقد أوضحها أهل العلم في باب حكم المرتد، وهو باب عظيم يجب على طالب العلم أن يعتني به وأن يقرأه كثيرا. والله ولي التوفيق.
أسئلة على العقيدة وأجوبتها
السؤال الأول: انتشرت في بعض المجتمعات الإسلامية مخالفات متعددة منها ما يقع عند بعض القبور ومنها ما يتصل بالحلف والأيمان والنذور، وقد تختلف أحكام هذه المخالفات بين ما يكون منها من قبيل الشرك المخرج من الملة، وما يكون دون ذلك فحبذا لو تفضل سماحتكم ببسط القول وبيان أحكام تلك المسائل لهم، ونصيحة أخرى لعامة المسلمين ترهيبا لهم من التساهل بأمر تلك المخالفات والتهاون بشأنها.
الجواب: الحمد لله وصلى الله وسلم على رسول الله وعلى آله وأصحابه ومن اهتدى بهداه.
أما بعد: فإن كثيرا من الناس تلتبس عليهم الأمور المشروعة بالأمور الشركية والمبتدعة حول القبور، كما أن كثيرا منهم قد يقع في الشرك الأكبر بسبب الجهل والتقليد الأعمى. فالواجب على أهل العلم في كل مكان أن يوضحوا للناس دينهم وأن يبينوا لهم حقيقة التوحيد، وحقيقة الشرك، كما يجب على أهل العلم أن يوضحوا للناس وسائل الشرك وأنواع البدع الواقعة بينهم حتى يحذروها لقول الله عز وجل: ﴿وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلا تَكْتُمُونَهُ﴾( ) الآية، وقال سبحانه: ﴿إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنْزَلْنَا مِنَ

الْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَى مِنْ بَعْدِ مَا بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِي الْكِتَابِ أُولَئِكَ يَلْعَنُهُمُ اللَّهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللاعِنُونَ إِلا الَّذِينَ تَابُوا وَأَصْلَحُوا وَبَيَّنُوا فَأُولَئِكَ أَتُوبُ عَلَيْهِمْ وَأَنَا التَّوَّابُ الرَّحِيمُ﴾( ) وقال النبي صلى الله عليه وسلم: ((من دل على خير فله مثل أجر فاعله)) رواه مسلم في صحيحه.
وقال أيضا عليه الصلاة والسلام: ((من دعا إلى هدى كان له من الأجر مثل أجور من تبعه لا ينقص ذلك من أجورهم شيئا ومن دعا إلى ضلالة كان عليه من الإثم مثل آثام من تبعه لا ينقص ذلك من آثامهم شيئا)) رواه مسلم أيضا.
وفي الصحيحين عن معاوية رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ((من يرد الله به خيرا يفقهه في الدين)) والآيات والأحاديث في الدعوة إلى نشر العلم وترغيب الناس في ذلك والتحذير من الإعراض وكتمان العلم كثيرة.
أما ما يقع عند القبور من أنواع الشرك والبدع في بلدان كثيرة فهو أمر معلوم وجدير بالعناية والبيان والتحذير منه، فمن ذلك دعاء أصحاب القبور والاستغاثة بهم، وطلب شفاء المرضى والنصر على الأعداء ونحو ذلك، وهذا كله من الشرك الأكبر الذي كان عليه أهل الجاهلية قال الله سبحانه: ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ﴾( ) وقال سبحانه: ﴿وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلا لِيَعْبُدُونِ﴾( ) وقال سبحانه: ﴿وَقَضَى رَبُّكَ أَلا تَعْبُدُوا إِلا إِيَّاه﴾( )
والمعنى: أمر وأوصى، وقال سبحانه: ﴿وَمَا أُمِرُوا إِلا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ﴾( ) الآية، والآيات في هذا المعنى كثيرة.
والعبادة التي خلق الثقلان لأجلها وأمروا بها هي توحيده سبحانه وتخصيصه بجميع الطاعات التي أمر بها من صلاة وصوم وزكاة وحج وذبح ونذر وغير ذلك من أنواع العبادة كما قال سبحانه: ﴿قُلْ إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ لا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ﴾( ) والنسك هو العبادة ومنها الذبح كما قال سبحانه: ﴿إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ﴾( ) وقال النبي صلى الله عليه وسلم: ((لعن الله من ذبح لغير الله)) أخرجه مسلم في صحيحه من حديث أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله عنه، وقال الله سبحانه: ﴿وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ فَلا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَدًا﴾( ) وقال عز وجل: ﴿وَمَنْ يَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ لا بُرْهَانَ لَهُ بِهِ فَإِنَّمَا حِسَابُهُ عِنْدَ رَبِّهِ إِنَّهُ لا يُفْلِحُ الْكَافِرُونَ﴾( ) وقال عز وجل في سورة فاطر: ﴿ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ لَهُ الْمُلْكُ وَالَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ مَا يَمْلِكُونَ مِنْ قِطْمِيرٍ إِنْ تَدْعُوهُمْ لا يَسْمَعُوا دُعَاءَكُمْ وَلَوْ سَمِعُوا مَا اسْتَجَابُوا لَكُمْ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكْفُرُونَ بِشِرْكِكُمْ وَلا يُنَبِّئُكَ مِثْلُ

خَبِيرٍ﴾( ).
فأوضح سبحانه في هذه الآيات أن الصلاة لغيره والذبح لغيره ودعاء الأموات والأصنام والأشجار والأحجار كل ذلك من الشرك بالله والكفر به.
وأن جميع المدعوين من دونه من أنبياء أو ملائكة أو أولياء أو جن أو أصنام أو غيرهم لا يملكون لداعيهم نفعا ولا ضرا، وأن دعوتهم من دونه سبحانه شرك وكفر، كما أوضح سبحانه أنهم لا يسمعون دعاء داعيهم ولو سمعوا لم يستجيبوا له.
فالواجب على جميع المكلفين من الجن والإنس الحذر من ذلك والتحذير منه وبيان بطلانه، وأنه يخالف ما جاءت به الرسل عليهم الصلاة والسلام من الدعوة إلى توحيد الله، وإخلاص العبادة له، كما قال سبحانه: ﴿وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا أَنِ اُعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ﴾( ) وقال سبحانه: ﴿وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلا أَنَا فَاعْبُدُونِ﴾( ) وقد مكث صلى الله عليه وسلم في مكة المكرمة ثلاث عشرة سنة يدعو فيها إلى الله سبحانه ويحذر الناس من الشرك به، ويوضح لهم معنى لا إله إلا الله فاستجاب له الأقلون، واستكبر عن طاعته واتباعه الأكثرون، ثم هاجر إلى المدينة عليه الصلاة والسلام فنشر الدعوة إلى الله سبحانه هناك بين المهاجرين

والأنصار، وجاهد في سبيل الله، وكتب إلى الملوك والرؤساء، وأوضح لهم دعوته وما جاء به من الهدى، وصبر وصابر في ذلك هو وأصحابه رضي الله عنهم، حتى ظهر دين الله ودخل الناس في دين الله أفواجا، وانتشر التوحيد وزال الشرك من مكة والمدينة ومن سائر الجزيرة على يده صلى الله عليه وسلم وعلى يد أصحابه من بعده، ثم قام أصحابه بالدعوة إلى الله سبحانه والجهاد في سبيله في المشارق والمغارب حتى نصرهم الله على أعدائه ومكن لهم في الأرض وظهر دين الله على سائر الأديان، كما وعد بذلك سبحانه في كتابه العظيم حيث قال عز وجل: ﴿هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ﴾( ).
ومن البدع ووسائل الشرك ما يفعل عند القبور من الصلاة عندها والقراءة عندها وبناء المساجد والقباب عليها، وهذا كله بدعة ومنكر ومن وسائل الشرك الأكبر، ولهذا صح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: ((لعن الله اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد)) متفق على صحته من حديث عائشة رضي الله عنها.
وفي صحيح مسلم عن جندب بن عبد الله رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ((ألا وإن من كان قبلكم كانوا يتخذون قبور أنبيائهم وصالحيهم مساجد ألا فلا تتخذوا القبور مساجد فإني أنهاكم عن ذلك)) فأوضح صلى الله عليه وسلم في هذين الحديثين وما جاء في معناهما: أن اليهود والنصارى كانوا يتخذون قبور أنبيائهم
مساجد. فحذر أمته من التشبه بهم باتخاذها مساجد والصلاة عندها والعكوف عندها والقراءة عندها، لأن هذا كله من وسائل الشرك، ومن ذلك البناء عليها واتخاذ القباب والستور عليها، فكل ذلك من وسائل الشرك والغلو في أهلها.
كما قد وقع ذلك من اليهود والنصارى ومن جهال هذه الأمة حتى عبدوا أصحاب القبور وذبحوا لهم واستغاثوا بهم، ونذروا لهم وطلبوا منهم شفاء المرضى والنصر على الأعداء كما يعلم ذلك من عرف ما يفعل عند قبر الحسين، والبدوي، والشيخ عبد القادر الجيلاني، وابن عربي وغيرهم من أنواع الشرك الأكبر والله المستعان ولا حول ولا قوة إلا بالله. وقد صح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه نهى عن تجصيص القبور والقعود عليها والبناء عليها والكتابة عليها، وما ذاك إلا لأن تجصيصها والبناء عليها من وسائل الشرك الأكبر بأهلها.
فالواجب على جميع المسلمين حكومات وشعوبا الحذر من هذا الشرك ومن هذه البدع وسؤال أهل العلم المعروفين بالعقيدة الصحيحة، والسير على منهج سلف الأمة عما أشكل عليهم من أمور دينهم حتى يعبدوا الله على بصيرة عملا بقول الله عز وجل: ﴿فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ﴾( ) وقول النبي صلى الله عليه وسلم: ((من سلك طريقا يلتمس فيه علما سهل الله له به طريقا إلى الجنة)) وقوله صلى الله عليه وسلم: ((من يرد الله به خيرا يفقهه في الدين)).

ومعلوم أن العباد لم يخلقوا عبثا وإنما خلقوا لحكمة عظيمة وغاية شريفة، وهي عبادة الله وحده دون كل ما سواه كما قال عز وجل: ﴿وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلا لِيَعْبُدُونِ﴾( ) ولا سبيل إلى معرفة هذه العبادة إلا بتدبر الكتاب العظيم والسنة المطهرة، ومعرفة ما أمر الله به ورسوله من أنواع العبادة وسؤال أهل العلم عما أشكل في ذلك، وبذلك تعرف عبادة الله سبحانه وتعالى التي خلق العباد من أجلها وتؤدي على الوجه الذي شرعه الله، وهذا هو السبيل الوحيد إلى مرضاة الله سبحانه والفوز بكرامته، والنجاة من غضبه وعقابه، وفق الله المسلمين لكل ما فيه رضاه، ومنحهم الفقه في دينه وولى عليهم خيارهم وأصلح قادتهم، ووفق علماء المسلمين لأداء ما يجب عليهم من الدعوة والتعليم والنصح والتوجيه إنه جواد كريم.
ومن أنواع الشرك الحلف بغير الله كالحلف بالأنبياء وبرأس فلان وحياة فلان والحلف بالأمانة والشرف، وقد صح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: ((من كان حالفا فليحلف بالله أو ليصمت)) متفق على صحته.
وقوله صلى الله عليه وسلم: ((من حلف بشيء دون الله فقد أشرك)) رواه الإمام أحمد عن أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه بإسناد صحيح، وقوله صلى الله عليه وسلم: ((من حلف بغير الله فقد كفر أو أشرك)) أخرجه أبو داود والترمذي بإسناد صحيح من حديث ابن عمر رضي الله عنهما. وقال عليه الصلاة والسلام: ((من حلف بالأمانة فليس منا)) وقال أيضا عليه

الصلاة والسلام: ((لا تحلفوا بآبائكم ولا بأمهاتكم ولا بالأنداد ولا تحلفوا بالله إلا وأنتم صادقون)) والأحاديث في هذا المعنى كثيرة، والحلف بغير الله من الشرك الأصغر وقد يفضي إلى الشرك الأكبر إذا اعتقد تعظيمه مثل تعظيم الله أو أنه ينفع ويضر دون الله، أو أنه يصلح لأن يدعى أو يستغاث به، ومن هذا الباب قول: ما شاء الله وشاء فلان، ولولا الله وفلان وهذا من الله وفلان، وهذا كله من الشرك الأصغر، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: ((لا تقولوا ما شاء الله وشاء فلان ولكن قولوا ما شاء الله ثم شاء فلان)) وبهذا يعلم أنه لا حرج بأن يقول: لولا الله ثم فلان، أو هذا من الله ثم فلان.. إذا كان له تسبب في ذلك.
وثبت عنه صلى الله عليه وسلم: أن رجلا قال له: ما شاء الله وشئت فقال له صلى الله عليه وسلم: ((أجعلتني لله ندا قل ما شاء الله وحده)) فدل هذا الحديث على أنه إذا قال: ما شاء الله وحده فهذا هو الأكمل، وإن قال ما شاء الله ثم شاء فلان فلا حرج جمعا بين الأحاديث والأدلة كلها والله ولي التوفيق.
السؤال الثاني: يخلط بعض الناس بين التوسل بالإيمان بالنبي صلى الله عليه وسلم ومحبته وطاعته والتوسل بذاته وجاهه، كما يقع الخلط بين التوسل بدعائه عليه الصلاة والسلام في حياته وسؤاله الدعاء بعد مماته، وقد ترتب على هذا الخلط التباس المشروع من ذلك بالممنوع منه، فهل من تفصيل يزيل اللبس في هذا الباب ويرد به على أصحاب الأهواء الذين يلبسون على المسلمين في هذه المسائل؟
الجواب: لا شك أن كثيرا من الناس لا يفرقون بين التوسل المشروع

والتوسل الممنوع بسبب الجهل وقلة من ينبههم ويرشدهم إلى الحق ومعلوم أن بينهما فرقا عظيما. فالتوسل المشروع هو الذي بعث الله به الرسل وأنزل به الكتب وخلق من أجله الثقلين، وهو عبادته سبحانه ومحبته ومحبة رسوله عليه الصلاة والسلام، ومحبة جميع الرسل والمؤمنين، والإيمان به وبكل ما أخبر الله به ورسوله من البعث والنشور والجنة والنار وسائر ما أخبر الله به ورسوله.
فهذا كله من الوسيلة الشرعية لدخول الجنة والنجاة من النار، والسعادة في الدنيا والآخرة ومن ذلك دعاؤه سبحانه والتوسل إليه بأسمائه وصفاته ومحبته، والإيمان به وبجميع الأعمال الصالحة التي شرعها لعباده، وجعلها وسيلة إلى مرضاته والفوز بجنته وكرامته والفوز أيضا بتفريج الكروب وتيسير الأمور في الدنيا والآخرة كما قال الله عز وجل: ﴿وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ﴾( ) وقال سبحانه: ﴿وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْرًا﴾( ) وقال عز وجل: ﴿وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يُكَفِّرْ عَنْهُ سَيِّئَاتِهِ وَيُعْظِمْ لَهُ أَجْرًا﴾( ) وقال عز وجل: ﴿إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ﴾( ) وقال سبحانه: ﴿إِنَّ لِلْمُتَّقِينَ عِنْدَ رَبِّهِمْ جَنَّاتِ النَّعِيمِ﴾( ) وقال تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ

آمَنُوا إِنْ تَتَّقُوا اللَّهَ يَجْعَلْ لَكُمْ فُرْقَانًا وَيُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ﴾( ) الآية، وهو العلم والهدى والفرقان، والآيات في هذا المعنى كثيرة.
ومن التوسل المشروع التوسل إلى الله سبحانه بمحبة نبيه صلى الله عليه وسلم والإيمان به واتباع شريعته، لأن هذه الأمور من أعظم الأعمال الصالحات ومن أفضل القربات.
أما التوسل بجاهه صلى الله عليه وسلم أو بذاته أو بحقه أو بجاه غيره من الأنبياء والصالحين أو ذواتهم أو حقهم فمن البدع التي لا أصل لها بل من وسائل الشرك، لأن الصحابة رضي الله عنهم وهم أعلم الناس بالرسول صلى الله عليه وسلم وبحقه لم يفعلوا ذلك ولو كان خيرا لسبقونا إليه، ولما أجدبوا في عهد عمر رضي الله عنه لم يذهبوا إلى قبره صلى الله عليه وسلم ولم يتوسلوا به ولم يدعوا عنده بل استسقى عمر رضي الله عنه بعمه صلى الله عليه وسلم: العباس بن عبد المطلب أي بدعائه فقال رضي الله عنه وهو على المنبر: (اللهم إنا كنا إذا أجدبنا نتوسل إليك بنبينا فتسقينا وإنا نتوسل إليك بعم نبينا فاسقنا فيسقون) رواه البخاري في صحيحه.
ثم أمر رضي الله عنه العباس أن يدعو فدعا وأمن المسلمون على دعائه فسقاهم الله عز وجل، وقصة أهل الغار مشهورة وهي ثابتة في الصحيحين، وخلاصتها أن ثلاثة ممن كان قبلنا آواهم المبيت والمطر إلى غار، فدخلوا فيه فانحدرت صخرة من الجبل فسدت
عليهم الغار ولم يستطيعوا دفعها، فقالوا فيما بينهم: لن ينجيكم من هذه الصخرة إلا أن تدعوا الله بصالح أعمالكم، فدعوه سبحانه واستغاثوا به، وتوسل أحدهم ببر والديه، والثاني بعفته عن الزنا بعد القدرة، والثالث بأدائه الأمانة فأزاح الله عنهم الصخرة وخرجوا، وهذه القصة من الدلائل العظيمة على أن الأعمال الصالحة من أعظم الأسباب في تفريج الكروب والخروج من المضائق والعافية من شدائد الدنيا والآخرة.
أما التوسل بجاه فلان أو بحق فلان أو ذاته، فهذا من البدع المنكرة، ومن وسائل الشرك.
وأما دعاء الميت والاستغاثة به فذلك من الشرك الأكبر.
والصحابة - رضي الله عنهم - كانوا يطلبون من النبي صلى الله عليه وسلم أن يدعو لهم، وأن يستغيث لهم إذا أجدبوا، ويشفع في كل ما ينفعهم حين كان حيا بينهم، فلما توفي صلى الله عليه وسلم لم يسألوه شيئا بعد وفاته ولم يأتوا إلى قبره يسألونه الشفاعة أو غيرها، لأنهم يعلمون أن ذلك لا يجوز بعد وفاته صلى الله عليه وسلم وإنما يجوز ذلك في حياته صلى الله عليه وسلم قبل موته، ويوم القيامة حين يتوجه إليه المؤمنون ليشفع لهم ليقضي الله بينهم ولدخولهم الجنة، بعد ما يأتون آدم ونوحا وإبراهيم وموسى وعيسى عليهم الصلاة والسلام فيعتذرون عن الشفاعة، كل واحد يقول نفسي نفسي، اذهبوا إلى غيري فإذا أتوا عيسى عليه الصلاة والسلام اعتذر إليهم وأرشدهم إلى أن يأتوا نبينا محمدا صلى الله عليه وسلم، فيأتونه فيقول: ((أنا لها أنا لها))، لأن الله
سبحانه قد وعده ذلك فيذهب ويخر ساجدا بين يدي الله عز وجل ويحمده بمحامد كثيرة ولا يزال ساجدا حتى يقال له: ((ارفع رأسك وقل تُسمع، وسل تُعط، واشفع تُشَفَّع)).
وهذا الحديث ثابت في الصحيحين وهو حديث الشفاعة المشهور، وهذا هو المقام المحمود الذي ذكره الله سبحانه في قوله تعالى في سورة الإسراء: ﴿عَسَى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَحْمُودًا﴾( ) صلى الله عليه وسلم وعلى آله وأصحابه وأتباعه بإحسان، وجعلنا الله من أهل شفاعته إنه سميع قريب.
السؤال الثالث: يلاحظ جهل كثير من المحسوبين على الأمة الإسلامية بمعنى لا إله إلا الله وقد ترتب على ذلك الوقوع فيما ينافيها ويضادها أو ينقصها من الأقوال والأعمال فما معنى لا إله إلا الله؟ وما مقتضاها؟ وما شروطها؟
الجواب: لا شك أن هذه الكلمة وهي (لا إله إلا الله) هي أساس الدين، وهي الركن الأول من أركان الإسلام، مع شهادة أن محمدا رسول الله، كما في الحديث الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: بني الإسلام على خمس شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة وصوم رمضان وحج البيت متفق على صحته من حديث ابن عمر رضي الله عنهما.
وفي الصحيحين عن ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم لما
بعث معاذا - رضي الله عنه - إلى اليمن، قال له: ((إنك تأتي قوما من أهل الكتاب فادعهم إلى أن يشهدوا أن لا إله إلا الله وأني رسول الله فإن أطاعوك لذلك فأعلمهم أن الله افترض عليهم خمس صلوات في اليوم والليلة فإن أطاعوك لذلك فأعلمهم أن الله افترض عليهم صدقة تؤخذ من أغنيائهم فترد في فقرائهم)) الحديث متفق عليه، والأحاديث في هذا الباب كثيرة.
ومعنى شهادة أن لا إله إلا الله: لا معبود حق إلا الله، وهي تنفي الإلهية بحق عن غير الله سبحانه، وتثبتها بالحق لله وحده، كما قال الله عز وجل في سورة الحج: ﴿ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّ مَا يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ هُوَ الْبَاطِلُ﴾( ) وقال سبحانه في سورة المؤمنين: ﴿وَمَنْ يَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ لا بُرْهَانَ لَهُ بِهِ فَإِنَّمَا حِسَابُهُ عِنْدَ رَبِّهِ إِنَّهُ لا يُفْلِحُ الْكَافِرُونَ﴾( ) وقال عز وجل في سورة البقرة: ﴿وَإِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ لا إِلَهَ إِلا هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ﴾( ) وقال في سورة البينة: ﴿وَمَا أُمِرُوا إِلا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ﴾( ) والآيات في هذا المعنى كثيرة.
وهذه الكلمة العظيمة لا تنفع قائلها ولا تخرجه من دائرة الشرك إلا إذا عرف معناها وعمل به وصدق به. وقد كان المنافقون يقولونها
وهم في الدرك الأسفل من النار لأنهم لم يؤمنوا بها ولم يعملوا بها.
وهكذا اليهود تقولها وهم من أكفر الناس - لعدم إيمانهم بها - وهكذا عباد القبور والأولياء من كفار هذه الأمة يقولونها وهم يخالفونها بأقوالهم وأفعالهم وعقيدتهم، فلا تنفعهم ولا يكونون بقولها مسلمين لأنهم ناقضوها بأقوالهم وأعمالهم وعقائدهم.
وقد ذكر بعض أهل العلم أن شروطها ثمانية جمعها في بيتين فقال:
علم يقين وإخلاص وصدقك مع محبة وانقياد والقبول لها
وزيد ثامنها الكفران منك بما سوى الإله من الأشياء قد أُلها
وهذان البيتان قد استوفيا جميع شروطها:
الأول: العلم بمعناها المنافي للجهل وتقدم أن معناها لا معبود بحق إلا الله فجميع الآلهة التي يعبدها الناس سوى الله سبحانه كلها باطلة.
الثاني: اليقين المنافي للشك فلابد في حق قائلها أن يكون على يقين بأن الله سبحانه هو المعبود بالحق.
الثالث: الإخلاص وذلك بأن يخلص العبد لربه سبحانه وهو الله عز وجل جميع العبادات، فإذا صرف منها شيئا لغير الله من نبي أو ولي أو ملك أو صنم أو جني أو غيرها فقد أشرك بالله ونقض هذا الشرط وهو شرط الإخلاص.
الرابع: الصدق ومعناه أن يقولها وهو صادق في ذلك، يطابق قلبه لسانه، ولسانه قلبه، فإن قالها باللسان فقط وقلبه لم يؤمن بمعناها فإنها لا تنفعه، ويكون بذلك كافرا كسائر المنافقين.

الخامس: المحبة، ومعناها أن يحب الله عز وجل، فإن قالها وهو لا يحب الله صار كافرا لم يدخل في الإسلام كالمنافقين.
ومن أدلة ذلك قوله تعالى: ﴿قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ﴾( ) الآية، وقوله سبحانه: ﴿وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَتَّخِذُ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَنْدَادًا يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللَّهِ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُبًّا لِلَّهِ﴾( ) والآيات في هذا المعنى كثيرة.
السادس: الانقياد لما دلت عليه من المعنى، ومعناه أن يعبد الله وحده وينقاد لشريعته ويؤمن بها، ويعتقد أنها الحق. فإن قالها ولم يعبد الله وحده، ولم ينقد لشريعته بل استكبر عن ذلك، فإنه لا يكون مسلما كإبليس وأمثاله.
السابع: القبول لما دلت عليه، ومعناه: أن يقبل ما دلت عليه من إخلاص العبادة لله وحده وترك عبادة ما سواه وأن يلتزم بذلك ويرضى به.
الثامن: الكفر بما يعبد من دون الله، ومعناه أن يتبرأ من عبادة غير الله ويعتقد أنها باطلة، كما قال الله سبحانه: ﴿فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِنْ بِاللَّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى لا انْفِصَامَ لَهَا وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ﴾( ).

وصح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: ((من قال لا إله إلا الله وكفر بما يعبد من دون الله حرم ماله ودمه وحسابه على الله))، وفي رواية عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: ((من وحد الله وكفر بما يعبد من دون الله حرم ماله ودمه)) أخرجهما مسلم في صحيحه.
فالواجب على جميع المسلمين أن يحققوا هذه الكلمة بمراعاة هذه الشروط، ومتى وجد من المسلم معناها والاستقامة عليه فهو مسلم حرام الدم والمال، وإن لم يعرف تفاصيل هذه الشروط لأن المقصود وهو العلم بالحق والعمل به وإن لم يعرف المؤمن تفاصيل الشروط المطلوبة.
والطاغوت هو كل ما عبد من دون الله كما قال الله عز وجل: ﴿فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِنْ بِاللَّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى لا انْفِصَامَ لَهَا﴾( ) الآية.
وقال سبحانه: ﴿وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا أَنِ اُعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ﴾( ) ومن كان لا يرضى بذلك من المعبودين من دون الله كالأنبياء والصالحين والملائكة فإنهم ليسوا بطواغيت، وإنما الطاغوت هو الشيطان الذي دعا إلى عبادتهم وزينها للناس نسأل الله لنا وللمسلمين العافية من كل سوء، وأما الفرق بين الأعمال التي تنافي هذه الكلمة وهي لا إله إلا الله، والتي تنافي كمالها الواجب، فهو: أن كل عمل أو قول أو اعتقاد يوقع

صاحبه في الشرك الأكبر فهو ينافيها بالكلية ويضادها. كدعاء الأموات والملائكة والأصنام والأشجار والأحجار والنجوم ونحو ذلك، والذبح لهم والنذر والسجود لهم وغير ذلك.
فهذا كله ينافي التوحيد بالكلية، ويضاد هذه الكلمة ويبطلها وهي: لا إله إلا الله، ومن ذلك استحلال ما حرم الله من المحرمات المعلومة من الدين بالضرورة والإجماع كالزنا وشرب المسكر وعقوق الوالدين والربا ونحو ذلك، ومن ذلك أيضا جحد ما أوجب الله من الأقوال والأعمال المعلومة من الدين بالضرورة والإجماع كوجوب الصلوات الخمس والزكاة وصوم رمضان وبر الوالدين والنطق بالشهادتين ونحو ذلك.
أما الأقوال والأعمال والاعتقادات التي تضعف التوحيد والإيمان وتنافي كماله الواجب فهي كثيرة ومنها: الشرك الأصغر كالرياء والحلف بغير الله، وقول ما شاء الله وشاء فلان، أو هذا من الله ومن فلان ونحو ذلك، وهكذا جميع المعاصي كلها تضعف التوحيد والإيمان وتنافي كماله الواجب، فالواجب الحذر من جميع ما ينافي التوحيد والإيمان أو ينقص ثوابه، والإيمان عند أهل السنة والجماعة قول وعمل يزيد بالطاعة وينقص بالمعصية.
والأدلة على ذلك كثيرة أوضحها أهل العلم في كتب العقيدة وكتب التفسير والحديث فمن أرادها وجدها والحمد لله، ومن ذلك قول الله تعال: ﴿وَإِذَا مَا أُنْزِلَتْ سُورَةٌ فَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ أَيُّكُمْ زَادَتْهُ هَذِهِ

إِيمَانًا فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا فَزَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَهُمْ يَسْتَبْشِرُونَ﴾( ) وقوله سبحانه: ﴿إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ﴾( ) وقوله سبحانه: ﴿وَيَزِيدُ اللَّهُ الَّذِينَ اهْتَدَوْا هُدًى﴾( ) والآيات في هذا المعنى كثيرة.
السؤال الرابع: تكثر في العصر الحاضر البحوث والمؤلفات والمحاضرات في إثبات وجود الله وتقرير ربوبيته من غير الاستدلال بذلك على لازم ذلك ومقتضاه وهو توحيد الإلهية، وقد ترتب على ذلك: الجهل بتوحيد الإلهية والتهاون بأمره، فحبذا لو ألقيتم الضوء على أهمية توحيد الإلهية من حيث إنه أساس النجاة ومدارها ومفتاح دعوة الرسل عليهم الصلاة والسلام والأصل الذي يبنى عليه غيره.
الجواب: لا ريب أن الله سبحانه أرسل الرسل وأنزل الكتب لبيان حقه على عباده ودعوتهم إلى إخلاص العبادة له سبحانه دون كل ما سواه، وتخصيصه بجميع عباداتهم لأن أكثر أهل الأرض قد عرفوا أن الله ربهم وخالقهم ورازقهم، وإنما وقعوا في الشرك به سبحانه بصرف عباداتهم أو بعضها لغيره.. جهلا بذلك وتقليدا لآبائهم وأسلافهم، كما جرى لقوم نوح ومن بعدهم من الأمم، وكما جرى لأوائل هذه

الأمة، فإن الرسول صلى الله عليه وسلم لما دعاهم إلى توحيد الله استنكروا ذلك واستكبروا عن قبوله، وقالوا كما ذكر الله ذلك عنهم ﴿أَجَعَلَ الْآلِهَةَ إِلَهًا وَاحِدًا إِن
استعرض الموضوع التاليالرجوع الى أعلى الصفحةاستعرض الموضوع السابق
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى